سورة المؤمنون - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} {قد} نقيضة لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه، وكان المؤمنون يتوقعون مثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. والفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب أي فازوا بما طلبوا ونجوا مما هربوا، والإيمان في اللغة التصديق، والمؤمن المصدق لغة. وفي الشرع كل من نطق بالشهادتين مواطئاً قلبه لسانه فهو مؤمن. قال عليه السلام: «خلق الله الجنة فقال لها: تكلمي. فقالت: قد أفلح المؤمنون ثلاثاً أنا حرام على كل بخيل مراء» لأنه بالرياء أبطل العبادات البدنية وليس له عبادة مالية {الذين هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خاشعون} خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح. وقيل: الخشوع في الصلاة جمع الهمة لها والإعراض عما سواها وأن لا يجاوز بصره مصلاه وأن لا يلتفت ولا يعبث ولا يسدل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلب الحصى ونحو ذلك. وعن أبي الدرداء: هو إخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام. وأضيفت الصلاة إلى المصلين لا إلى المصلى له لانتفاع المصلي بها وحده وهي عدته وذخيرته، وأما المصلى له فغني عنها.


{والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} اللغو كل كلام ساقط حقه أن يلغى كالكذب والشتم والهزل يعني أن لهم من الجد ما شغلهم عن الهزل. ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف.
{والذين هُمْ للزكواة فاعلون} مؤدون ولفظ {فاعلون} يدل على المداومة بخلاف (مؤدون). وقيل: الزكاة اسم مشترك يطلق على العين وهو القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير، وعلى المعنى وهو فعل المزكي الذي هو التزكية وهو المراد هنا، فجعل المزكين فاعلين له لأن لفظ الفعل يعم جميع الأفعال كالضرب والقتل ونحوهما. تقول للضارب والقاتل والمزكي فعل الضرب والقتل والتزكية، ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، ودخل اللام لتقدم المفعول وضعف اسم الفاعل في العمل فإنك تقول (هذا ضارب لزيد) ولا تقول (ضرب لزيد) {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون} الفرج يشمل سوءة الرجل والمرأة {إِلاَّ على أزواجهم} في موضع الحال أي إلا والين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك (كان زياد على البصرة) أي والياً عليها. والمعنى أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم، أو تعلق (على) بمحذوف يدل عليه غير ملومين كأنه قيل: يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه. وقال الفراء: إلا من أزواجهم أي زوجاتهم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} أي إمائهم ولم يقل (من) لأن المملوك جرى مجرى غير العقلاء ولهذا يباع كما تباع البهائم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} أي لا لوم عليهم إن لم يحفظوا فروجهم عن نسائهم وإمائهم.


{فَمَنِ ابتغى وَرَاء ذلك} طلب قضاء شهوة من غير هذين {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} الكاملون في العدوان وفيه دليل تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة {والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ} {لأمانتهم} مكي وسهل. سمي الشيء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وإنما تؤدى العيون لا المعاني والمراد به العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله عز وجل ومن جهة الخلق {راعون} حافظون والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعي الغنم.
{والذين هُمْ على صلواتهم} {صَلاَتِهِمْ} كوفي غير أبي بكر {يُحَافِظُونَ} يداومون في أوقاتها. وإعادة ذكر الصلاة لأنها أهم، ولأن الخشوع فيها غير المحافظة عليها، أو لأنها وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أية صلاة كانت، وجمعت آخراً ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل {أولئك} الجامعون لهذه الأوصاف {هُمُ الوارثون} الأحقاء بأن يسموا ورّاثاً دون من عداهم. ثم ترجم الوارثون بقوله {الذين يَرِثُونَ} من الكفار في الحديث: «ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل الجنة ورث أهل النار منزله، وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله» {الفردوس} هو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر. وقال قطرب: هو أعلى الجنان {هُمْ فِيهَا خالدون} أنث الفردوس بتأويل الجنة.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} أي آدم {مِن سلالة} (من) للابتداء والسلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر. وقيل: إنما سمى التراب الذي خلق آدم منه سلالة لأنه سل من كل تربة {مِن طِينٍ} (من) للبيان كقوله {مِنَ الأوثان} [الحج: 30]

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8